مقياس الغفران

لأَنَّ عِنْدَ الرَّبِّ الرَّحْمَةَ وَعِنْدَهُ فِدًى كَثِيرٌ. مزمور 130: 7

إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم. (متى 15:6). لا يوجد ما يبرّر الروح الحاقدة التي لا تغفر. إنّ من ليس رحيماً نحو الآخرين يبرهن على أنه ليس شريكاً في نعمة الله الغافرة. ففي غفران الله. يُجتذب قلب المخطيء إلى القلب الكبير قلب المحبة اللامحدودة. إنّ نهر رحمة الله يفيض في نفس الخاطيء، ومنه إلى نفوس الآخرين. إنّ الرقة والرحمة التي قد أظهرهما المسيح في حياته الكريمة ستُرَيان في حياة من يصيرون شركاء في نعمته. ولكن: أن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له. (رومية 8:9). إنّه متجنب عن الله وليس أهلاً إلا للإنفصال الأبدي عنه.

نعم ربما يكون قد نال الغفران مرة، ولكنّ روحه القاسية التي لا تعرف الرحمة تدل على أنه الآن يرفض محبة الله الغافرة. لقد فَصَلَ نفسه عن الله وهو الآن في نفس الحالة التي كان عليها قبلما غُفِرَت خطاياه. لقد جحد توبته وخطاياه مستقرة عليه كما لو لم يكن قد تاب.

ولكن الدرس العظيم الذي نتعلمه من المثل (مَثل العبد الذي لا يغفر، متى 18: 21-34) كائن في المفارقة بين رحمة الله وبين قساوة قلب الإنسان، وفي حقيقة كون رحمة الله الغافرة يجب أن تكون مقياس غفراننا. أفما كان ينبغي أنك أنت أيضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا؟

إنّ الله لا يغفــر لنا لأننـا نغفـر للآخرين بل كما نغفر. إنّ أسـاس كل غفــران يوجد في محبة الله التي لا نستحقها، ولكننا بموقفنا الذي نقفه من الآخرين نبرهن على ما إذا كنا قد امتلكنا تلك المحبة أم لا. لهذا يقول المسيح: بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. (متى2:7).

فإن أخطأ أخوتك فواجبك يقتضي أن تغفر لهم. فإن جاءوا إليك معترفين فلا تقل أظن أنهم لم يتذللوا بما فيه الكفاية. ولست أظن أن اعترافهم صادر عن شعور حقيقي. فأيّ حق لك في أن تحكم عليهم أو تدينهم كما لو كنت تكشف خفايا القلوب؟ إنّ كلمة الله تقول: إن تاب فأغفر له. وإن أخطأ إليك سبع مرّات في اليوم ورجع إليك سبع مرّات في اليوم قائلا أنا تائب فاغفر له. (لوقا 3:17 و 4). وليس فقط سبع مرّات بل سبعين مرّة سبع مرّات  – على قدر المرّات التي غفر لك الله فيها.

  

المعلم الأعظم: 188- 190